الحسن ولدالمسكين /المغرب الحر
جاء الاسلام ليرفض التعصب والغلو،والدعوة الفاسدة التي تؤدي إلى التطاحن والفرقة والتدمير وخراب المجتمعات ،كما جاء ليحث في جوهره على الرفق بالناس في الفتوى والقضاء واقتضاء الدين وسائر المعاملات بالعدل والوسطية،فهو دين لا إفراط فيه ولا تفريط ،وبهذا تميزالإسلام عن سائرالشعائر والمعتقدات، بل إن منهجه قائمٌ على هذه الصفات في كل مجالاته،والوسطية شعاره منذ أن أرسل الله الرسل بدين الحق، بداية من نوح عليه السلام، إلى سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون الحق هم الأمة الوسط، والوسطية عند المسلمين هي الصراط المستقيم،وكذا هي الهداية والخيرية بلا شك، وقد عبر الله سبحانه عن ذلك بقوله: ” وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “وقوله ” وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” ومن فضائل الإسلام أنه يدعو إلى الاقتصاد والاعتدال في التكاليف والأحكام، وذلك في نصوص شرعية صحيحة، لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، قال تعالى: ” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”، وقال تعالى” يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا
فالوسطية سمة هذه الأمة وبها تُعْرف دون الأمم، بل انها ميزة ميزها الله تعالى بها على غيرها، وبكون انها سمة من سمات الأمة، فإنه يتنازعها في الواقع العديد من الأطراف، منهم الجافي والمغالي، ومنهم من يأخذ بها في طرف دون طرف، بل وتستخدم أحيانًا لتمرير بعض المفاهيم الخاطئة، وتلبيس الحق بالباطل، أو توظَّف لأغراض ظاهرها الدين وباطنها الدنيا، وتضيع الوسطية بين الإفراط والتفريط.
ومن هنا كان من المهم بيان الوسطية ومجالاتها ومنهجها في هذه السطور، اذ انه ليس المقصود بها أنها ملتقى الطرفين دائما، والوسطية حالة محمودة تدفع صاحبها للالتزام بهدي الإسلام دون انحراف عنه، أو تغيير فيه، بل تستقي الهدي الصادق من النبع الصافي، والعدل بين الناس، ونشر الخير، وتحقيق عمارة الأرض بوحدانية الالاه ، وزرع الإخاء الإنساني بين البشر، ومنح كل ذي حقٍّ حقَّه.
وان اتجهنا الى قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوسطية : ” وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ” موضحا بأنها البعد عن الشطط والانحراف واللغو ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا، إنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسرين” ومن هنا جاءت منادات العلماء لدعوة الأمة للرجوع إلى الوسطية، باعتبار انها نوعًا من التوازن في كل شيء
وقد كان من حكمة الله تعالى أن اختار الوسطية شعاراً مميزاً لهذه الأمة التي هي آخر الأمم , ولهذه الرسالة التي ختم بها الرسالات الإلهية , وبعث بها خاتم أنبيائه رسولاً للناس جميعاً ورحمة للعالمين
وبخلاصة فالوسطية تعني :
العدل .. عدل القرار وعدل النفس
الاستقامة ..استقامة المنهج , والبعد عن الميل والانحراف
الخير ومظهر الفضل والتميّز في الماديات والمعنويات
الأمان والبعد عن الخطر
القوة .. فالوسط هو مركز القوة . .
وتجنبا للتطرف بمعنى او باخر جاء الإسلام ليصحح المسألة، ويهدي الناس إلى أقوم السبل، وأعدل الطرق، الطريق الوسط .. بين عبادة المادة ونسيان حق الروح، وبين إرهاق الروح ونسيان حق البدن، ليعطي كل ذي حق حقه، وفقاً لقوله تعالى” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ” .
والرسول صلى الله عليه وسلم من وسط قومه، أي خيرهم وأفضلهم، وسيرته وسنته كلها قائمة على معنى الوسطية والاعتدال، في كل النواحي والمجالات؛ من عبادات، وشعائر، ومعاملات، وحُكم، وقضاء، وحدود، ومعاهدات، وحروب.. وغير ذلك.
وإنَّ الظروف الحاضرة واللاوعي والجهل الذي ساد الامة العربية والإسلامية من شطط في الطلب، وتقبل للتقلب والتردد، مع التمسك بثقافة اللاوجود لتدعوا إلى التوسط في كل عمل نقوم به، سواء العمل للدنيا أو الاخرة ، اقتداءً بالحبيب وسيراً على نهجه صلى الله عليه وسلم وبمعنى اخر استغلال جميع طاقاتها وجهودها في البناءوالعمران،المادي،والتربوي،والعلمي،والثقافي،من غير إفراط ولا تفريط ،مع تحقق التوازن بين الفرد والجماعة،وبين الدين والدنيا،وبين العقل والقوه وبين المثالية الواقعية ،وبين الروحانية والمادية،وغيرها.
فما أحوجنا اليوم إلى نشر ثقافة الوسطية والاعتدال على مستوى العالم ككل ،حتى يتبين للغرب الحق من الباطل .
عذراً التعليقات مغلقة