عـبد الحميد حفري –
تتردَّد على الألسنة وفي وسائل الإعلام المختلفة، ولدى كثير من الحقوقيين عـبارة:( العـدل والمساواة )، فهـل هـاتـان الكلمتان بمعـنى واحـد؟ أم أنهما مُختلفتان؟ وبناءً عليه: هـل دين الإسلام دين عـدلٍ أو مساواة أوهـما معًـا؟ وما الفـرق بين العـدل والمساواة؟ فالمساواة لغـة: المماثـلة بين شَّيئين والمعـادلة بينهـما، بينما اختلف الناس في تحديد معـناها، حيث ظهـر اتِّجاهان مُتباينان لتحديد معـنى المساواة : الاتِّجاه الأوَّل: يـرى أنَّ معـنى المساواة: إزالة كـلِّ الفوارق بين النَّاس، فَهُم سواسية في كل شيء، لا يُفرِّق بينهم دين، ولا شرع، ولا قانون، ولا جنس وسُمِّيت بالمساواة المطلقة. الاتِّجاه الثاني: أوجَبَ المُماثلةَ الكاملة بين الأشياء، إلاَّ ما جاء الشَّـرع بنفي التَّسوية فيه، باعـتبار أنَّ الشَّريعة لها الحقُّ المطلق في التَّسوية والتَّفريق. ولا ريـب أنَّ “الاتِّجاه الأوَّل” فَـتَحَ البابَ عـلى مصراعـيه، وهـو عـبث؛ لأنَّ المساواة تعـني في مدلولها:التَّشابه والتَّساوي بين الأشياء والمخلوقات ولا يمكن أن تكون عادلةً إلاَّ إذا تساوت الخصائص والصِّفات وتشابهت،وحينئذٍ تتحقَّق المساواة، وأمَّا في حال اختلافها (كما هو الشَّأن في الرَّجل والمرأة) فلا يمكن تحقيق المساواة العادلة؛ لأنَّ المساواة بين المختلفَين ظـلم واضح لا يحقِّق العدل والإنصاف.
بل إنَّ “الاتِّجاه الأوَّل” يُصادم النُّصوصَ الشَّرعـيةَ الصَّريحة الواضحة التي تـنفي المساواة بـيـن بعـض الأشياء؛ كالمؤمن والكافـر، والظُّـلمات والـنُّـور والذَّكـر والأنثى، ونحوهـا، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ ﴾[السجدة:18]،وقال سبحانه:﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ ﴾ [فاطر: 22]، وقال تعالى:﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى ﴾[آل عمران: 36] إنَّ الإسلام ليس ديـن مساواة، بـل ديـن عـدل، وهـو الجَمْع بين المتساويين والتَّفريق بين المفتَرِقَـين، ولم يأت حـرف واحـد في القـرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنَّما يأمر بالعـدل. وبناءً عـلى هـذه القاعـدة المُحْكَمَة، يُمكننا أن نُقَـرِّر وبكـلِّ ثقةٍ: أولاً : المساواة العادلة تجمع بين المتساويين، وتُفَرِّق بين المفتَرِقَين. ومن أمثلة الجَمْع بين المتساويين: مساواة الرَّجل بالمرأة في الخصائص الإنسانيَّة، والتَّكاليف الشَّرعية، والثَّواب والعقاب. ومن أمثلة التَّفريق بين المفتَرِقَين:اختلاف الرَّجل عن المرأة في الخصائص الجسديَّة، والنَّفسية، والعقليَّة. ثـانـياً : المساواة المطلقة تجمع بـيـن المتساويين والمفتَرِقَـين، وهي بذلـك تُـسـاوي بين النَّقيضين، وهـذا بعـيد عـن العـدل والإنصاف الإلهـيين، وفـيه من التَّناقض ما فـيه. أمَّا العـدل؛ فـيُعَـرَّف في اللغـة بأنه : نقـيض الجَور وضدُّه، وهـو ما قـام في النفوس أنه مستقيم . والعـدل في الاصطلاح الشرعي: هو وَضْعُ الشَّيء في موضعه الذي أمَر الله تعالى أن يُوضع فيه، وبعبارة أُخرى: هو موازنة بين الأطراف بحيث يُعْطَى كلٌّ منهم حقَّه دون بَخْسٍ ولا جَوْرٍ عليه . وبناءً عـلى ما تقـدَّم؛ يتبيَّن أنَّ الشَّريعة فـرَّقـت بين العـدل والمساواة، ومن أهم الفـروق بينهما : 1ـ أنَّ الشَّريعة أمرت بالعـدل ورغَّـبت فـيه مطلقاً في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، ومع كلِّ إنسانٍ، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[المائدة:8] وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَـدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]. أمَّا المساواة فهي منفية في بعض المواضع؛ كقول الله تعالى:﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ ﴾ [فاطـر: 22]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَـرُ كَالأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]. 2 ـ العـدل يشمل التَّسوية والتَّفريق، وأمَّا المساواة فهي تشمل التَّسوية فقط وقـد عـبَّر النَّبيُّ عـليه السلام في بعـض المواضع عـن المساواة بالعـدل في قوله ـ للـذي أعـطى ابناً له عـطـيَّةً دون سائر وَلَـدِه ـ 🙁 فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْـدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ ) فَـرَجَعَ فَـرَدَّ عَـطِـيَّتَهُ . فـمن العـدل : التَّسوية بين الأولاد فـي العـطـيَّة، ومـن العـدل : التَّسوية بين الـزَّوجات في المبيت والنَّفقة، ومن العـدل: التَّفريق بين الرَّجـل والمرأة في الميراث، والشَّهادة، ونحوها من الأمور التي جاء الدَّليل الشَّرعي بالتَّفـريق بينها. إذاً، الإسلام دينُ عـدل وليس دينَ مساواةٍ؛ لأنَّ العـدل يقتضي الموازنة بين الأطراف بحيث يُعطي كلٌّ منهم حقَّه دون بخسٍ ولا جَـوْر عليه، العـدل أعـمُّ وأشمل من المساواة، والعـدل ضابطٌ للمساواة .
عذراً التعليقات مغلقة