العرس المغربي.. بين بساطة الماضي و «برستيج» الحاضر

hicham karib9 أكتوبر 2024
العرس المغربي.. بين بساطة الماضي و «برستيج» الحاضر
العرس المغربي.. بين بساطة الماضي و «برستيج» الحاضر

– بوشعيب هارة
 
لكل منطقة عاداتها و تقاليدها العريقة التي تحافظ عليها و تتمسك بها و تتناقلها من جيل إلى آخر، فيتعارف بها الأفراد ويتمايزون بها، و من تلك العادات طقوس الزواج و مراسيمه التي تتم بدءًا بالخطوبة (المصاهرة)، و انتهاء بليلة الدخلة (يوم الزفاف)، مع اختلاف عادات الزواج بين الماضي و الحاضر، و من منطقة إلى أخرى، إلا أن الفرح يبقى هو السائد بين أهل العروسين.

بينَ العادات و التقاليد، اختلفت المقاييس! و بينَ زواج الماضي و زواج الحاضر فرق شاسع طال مناحي الزفاف مادياً و معنوياً. نعم التطور و التقدم في الحياة لا مفر منهما، وقد يعود اختلاف عادات الزواج بين اليوم و الأمس إلى فكرة العولمة وثقافة الإنترنت، و انفتاح البشر على بعضهم البعض، و اختلاطهم في المدارس و الجامعات و العمل، حتى أصبح لكل شاب و فتاة حرية اختيار رفيق المستقبل، غير أن الفرق في زواج جيل و آخر، لم يتوقف عند النواحي المعنوية و الفكرية فحسب، بل طال المجالات المادية حتى بات يجب أن يُحسب للخطوبة و عقد القران و المهر و حفل الزفاف و متطلبات العروس و أهلها ألفَ حساب، ليصبح بالتالي الزواج تفاخراً بالمظاهر و الشكليات و أكثر كلفةً عمّا كان عليه في الماضي من بساطة و عفوية مسؤولة.

للزواج في المغرب عادات و تقاليد تختلف من مدينة إلى أخرى، و من منطقة إلى أخرى، ابتداء من اللقاء الأول، و مرورا بترتيبات الخِطبة، و انتهاء بحفل الزفاف، حيث يعرف حفل الزواج في المغرب طقوسا احتفالية متنوعة تختزل قيم المجتمع المغربي و مكوناته، و تعكس حضارته التي هي مزيج من الحضارات العربية و الأمازيغية و الإفريقية و الأندلسية.

إذا كان الزفاف في المغرب يعكس إلى جانب مظاهر الفرح و السعادة التي ترافقه، مختلف المعالم الراسخة للعادات المغربية و تقاليده العريقة و القيم و القناعات التي تغني تراثه المؤسس لهويته الثقافية و الحضارية، فإن بعض جوانب طقوس الاحتفال طالتها تغييرات اقتصرت فقط على سبل اختيار الشاب الراغب في الزواج للفتاة المرشحة لتصبح عروسه، و مدة الاحتفال بالعرس و كلفته المادية.

اختلاف آخر يظهر في تمثل الزواج عند المغاربة في المدينة و المراكز القروية الكبرى، فبينما يغلب على المناطق الحضرية الاختصار في الوقت و الجهد و الكلفة، يأخذ أبعادا أخرى في البوادي، حيث يفرض هذا الحدث السعيد تعبئة تلقائية لكل سكان البلدة المعنية، على مدى عدة أيام في جو من التضامن يؤكد الروح الجماعية التي هي أقوى في البوادي منها في المدن، بالنظر إلى طبيعة الحياة في هذا الوسط.

و لا يختلف الاحتفال بالزفاف عموما من منطقة لأخرى عبر مجموع تراب المملكة، باستثناء الطقوس المرافقة للاحتفال به، و التي تختلف باختلاف الجهات تبعا للتقاليد المحلية، من خلال التركيز على هذا الجانب أو ذاك من مراسيم الاحتفال، ليبقى المشهد العام للاحتفال هو نفسه من شمال المملكة إلى أقصى الجنوب، و من الشرق إلى الغرب، و تبقى التفاصيل الدقيقة هي التي تسمح بالوقوف على السمة المميزة لكل منطقة من مناطق المملكة.

يظل العرس المغربي، الذي يجري الاستعداد له بعناية فائقة، باعتباره مناسبة عائلية كبرى، متمسكا بالتقاليد العريقة للمملكة التي اغتنت و تنوعت على مر التاريخ، دون أن ينال منه الزمن، وفي الوقت ذاته منفتحا على لمسات تجديد أملتها تطورات، شملت مختلف مناحي حياة المغاربة.

بناء على هذا، كانت العادة تقضي في الماضي بأن تقوم أم العريس باختيار زوجة ابنها، إما بمناسبة الاحتفالات الأسرية أو عن طريق صديقات أو “خاطبات”، إذ لم يكن العريس يعرف الفتاة المرشحة إلا من خلال الأوصاف المقدمة له من طرف أمه أو أخواته، بحيث يحظر عليه الالتقاء بها إلا في ليلة الزفاف إذ الأم
هي التي تقوم بالمسعى الأول، حيث تذهب لزيارة أم الفتاة لتطلعها على مشروع الزواج، فإذا تم الاتفاق المبدئي تطلب هذه الأخيرة مهلة لإطلاع زوجها، و للقيام بالاستخبار عن عائلة العريس (حالته المادية ونسبه وسلوكه).

و إذا ما تم الاتفاق بين الجانبين، يلتقي الرجال من الأسرتين يوم جمعة رفقة مجموعة من الأقرباء و الأصدقاء، لتبدأ عملية التفاوض حول الأمور المرتبطة بالزفاف، خاصة المهر، فإذا تم الاتفاق يتحدد يوم الخطوبة الرسمية.

بعد ذلك تقوم أم العريس بزيارة لأم الفتاة “كمالة العطية” مصحوبة ببعض الهدايا لزوجة الابن المستقبلية، تتألف في الغالب من قطع القماش و التمر و الشموع و الحناء.

اليوم أصبح بمقدور الشاب اختيار زوجة المستقبل دون حاجة إلى الأم أو الأقارب، نتيجة تطور المجتمع المغربي و تغير نظرته للزواج بفعل العولمة وثقافة الإنترنت على الخصوص، ليشرع في إعلان الخطبة التي هي تعبير عن رغبة في الاقتران و المصاهرة، و تأكيد مسبق من قبل أولي أمر الأسرتين الراغبتين في المصاهرة من خلال قراءة الفاتحة.

و يشاع بقوة من طرف أجدادنا و جداتنا أن الأعراس المغربية قديما كانت تدوم سبعة أيام بلياليها، لكنها تقلصت جيلا بعد الآخر إلى ثلاثة أيام ، و لكل يوم خصوصيته و طقوسه:

اليوم الأول مخصص لحمام العروس، إذ تصطحبها صديقاتها و قريباتها و جاراتها إلى الحمام المغربي التقليدي ، و هذا بعد أن تكون العروس قد حجزت الحمام التقليدي خصيصا لها هي و من معها، حيث يتم تنظيف الحمام و إطلاق مختلف أنواع البخور و العطور فيه.

و لهذا اليوم خصوصيته الشديدة، حيث تذهب كل نساء عائلة العروس للحمام مطلقات زغاريدهن، و مصطحبات معهن “الطعاريج” و “البنادير” للغناء و الاحتفال..ليصبح الحمام مكانا مصغرا للاحتفال بالزفاف.

اليوم الثاني مخصص للحناء، لأن نقش الحناء من الطقوس الأصيلة للزفاف المغربي، إذ من المستحيل التخلي عن هذه العادة لأن المغاربة يتفاءلون بالحناء و يعتبرونها مصدر تفاؤل لحياة العروس .. و يقول المعتقد الشعبي أن التخلي عن هذه العادة هو نذير شؤم لحياة العروس الزوجية!

و تقوم الفتيات العازبات الحاضرات يوم نقش الحناء بالتناوب على” النقّاشة”، التي تقوم بنقش أيديهن أو على الأقل بعض أصابعهن من باب” الفأل الحسن” بقدوم عريس إليهن، كما لا نغفل أنه في بعض المناطق المغربية، سيّما البوادي و المدن الأصيلة و الشمالية على الخصوص، يُعتبر يوم الحناء مهما للعريس أيضا، حيث يحرص أصدقاؤه و أفراد عائلته في هذا اليوم، على أخذه في جولة تتعدى الحي الذي يقطنه إلى الأحياء المجاورة، و في أثناء ذلك يتغنون بالأمداح النبوية و الأذكار، غير أنه في مناطق مغربية أخرى،
تم التخلي عن عادة الحناء بالنسبة للرجال.

و ختاما هناك اليوم الثالث، و الذي يعتبر أهم يوم في الزفاف المغربي، ففيه تُزفُّ العروس لزوجها، و فيه يتم إحضار ” النكافة”، و هي سيدة تتكفل بزينة و لباس العروس، فـالنكافة المغربية عامل رئيسي لإنجاح حفل العرس، بل وجودها أهم من وجود أي فرد من أفراد عائلة العريسين، و هي تحرص على أن تلبس العروس في الزفاف أكثر من لباس تقليدي يكون مختلفا، و يمثل بعض مناطق المغرب كاللباس الفاسي و الشمالي و الأمازيغي، و مختلف أنواع القفطان المغربي، إضافة إلى ملابس و أزياء أخرى مثل الزيّ الهندي و الخليجي مثلا..، غير أن الطلة الأخيرة للعروس في الزفاف تكون بالثوب الأبيض، الذي ترتديه الأوروبيات في زفافهن..

إلى جانب هذا تتكلف النكافة إثر كل تغيير العروس للباسها، باختيار الإكسسوارات الملائمة له، كأن العرس المغربي عرض أزياء متكامل، مما يرهق فعلا العروس!

و يرافق عادة عرض الأزياء هذا تشكيلة موسيقية متنوعة جدا، تعزفها الأجواق التي تختار موسيقى تتناسب و لباس العروس، كما تعزف خليطا من الأغاني الشعبية و الشرقية إضافة للأغاني المغربية الأصيلة و الفولكلور ..

عادات الزواج المغربي أصبحت تتخللها ختلافات و فروقات كثيرة ” مادية و معنوية”:
 الفروقات المعنوية تهم الزواج في الماضي حيث كان يتم عبر الأهل و الخطابة، أمّا اليوم فمن خلال مسالك الحياة الاجتماعية و العملية، أصبحت عادات الزواج تتم على أساس التفاخر و التباهي بالمظاهر، أما في الماضي فكان أساسها البساطة و التواضع و عدم المبالغة.

في الماضي كانت ‘الماشطة” وهي سيدة تقوم بمرافقة الفتاة في كل المراحل التحضيرية لزواجها، تتكفل بالعروس من جميع نواحي تحضيرات الزفاف، أمّا اليوم فتتعدّد اختيارات العروس بين مصفّف الشعر و خبير التجميل و مصمّم الأزياء و منظم الحفل… حيث تتم معظم حفلات الزواج اليوم في الفنادق و المطاعم الفاخرة، بينما كانت قديماً تقام في المنازل و الباحات.

كان الزواج في الماضي يحمل مشقة بسبب إقامة الصيوان، و مد الموائد بالطعام المحضر في المنزل، أمّا الآن فالفنادق و متعهدو الحفلات يلتزمون بكل التفاصيل والحيثيات.

و حاليا أصبحت البيوت ضيقة و لم يعد هناك مجال لإتمام الأعراس داخلها، لذا باتت القاعات حلاً مناسباً للكثيرين رغم كلفتها الإضافية، و شرط السكن أصبح مفروغاً منه قبل عقد القران، أمّا في الماضي فلم يكن الأمر كذلك، لأن السكن لم يكن شرطاً مطروحاً، و يمكن للعروسين السكن مع الأهل.

حفلات الزواج في الوقت الحالي يقام معظمها مساءً، فيما كانت في السابق تبدأ من العصر إلى ساعات متأخرة من الليل و قد تستمر لأيام، و تتم دعوة “المعازيم” اليوم عبر بطاقات خاصة فيما كانت تتم من خلال مكبّرات الصوت أو “البراح” قديماً. 

الفروقات المادية: من لا يملك المال حالياً لا يمكنه أن يتزوج، و شرط السعادة أصبح فكرة قديمة، و تأمين مسكن مستقل عن الأهل أصبحَ شرطاً أساسياً لمعظم العرائس، كما أن المهر في الماضي كان بسيطاً، كمبلغ صغير جداً من المال، أمّا اليوم فقد أصبحَ البعض يُقدّره بالذهب أو مبالغ طائلة… الخطوبة لم تعد مجرد شراء الخواتم والاحتفال بين عائلتي العروسين، بل يجب أن ترافقها حفلة مع الأصدقاء و الأقارب في مطعم أو قاعة، أما تجهيز المنزل اليوم فيجب أن يكون كاملاً من دون إستثناء أي غرفة.

الاستعانة بمهندس الديكور أصبحَ ضرورة عند اختيار ديكور المنزل و تنسيق المفروشات، كما أن الخروج مع الأصدقاء و الذهاب إلى السينما أمر صار من الضروريات الأسبوعية لكل عروسين قبل الزواج، و لم تعد رؤية بعضهما في منزل الأهل سائدةً كما في الماضي.

الاحتفالات في المناسبات العامة و الخاصة باتت تقتصر على الهدايا، و مدى مواكبتها للموضة وثمنها المرتفع… كلفة إقامة حفل الزفاف حالياً أصبحت من مهمات العريس، و قليلة هي العائلات التي ترضى بمساعدة العريس في تحمل أعباء الزواج… المزايدة بين العائلات في إقامة حفل الزفاف داخل فندق 5 نجوم، أصبحت مفاخرة لا بدّ منها، بحيث أصبح ” Wedding Planner” أو منظم الزفاف في الكثير من الأحيان هو المسؤول الأول، و ربما الأخير عن تفاصيل الحفل بحسب المبلغ المتفق عليه مسبقاً.

لم تعد فكرة شراء فستان الزفاف تنطلي على أعراس الحاضر كما في الماضي، لكن كلفة إيجار الثوب فاقت المتوقع بحسب المصمّم و شهرته…بخصوص وجبات الطعام في زفاف الماضي فقد اقتصرت على الطبق الرئيسي، المكون من اللحم أو الدجاج ثم “السفة”، بينما في الوقت الحالي يتم المزج بين أنواع من المأكولات، إضافةً إلى تقديم المقبلات و الفاكهة و أنواع مختلفة من الحلوى… كان توثيق الحفلات قديماً يقتصر فقط على المصور، أمّا الآن فقد أصبح هناك تصوير بالفيديو، و ألبومات خاصة للصور، و صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي… هدايا العروسين في الماضي كانت بسيطة، أمّا حالياً فتحديد ما يبتغيه الثنائي عبر قائمة الهدايا أي  “List De Marriage”هو الأساس… شهر العسل لم يعد بحسب قدرة العريس، بل هو كالزفاف ضرورة لا مفر منها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة